
لا يزال العنف ضد المرأة عقبة أمام تقدم المجتمعات والتنمية البشرية، وبالرغم من أن مساعي تعزيز حقوق الإنسان والمساواة والحملات النسوية، مثل “Me too” و”لون العالم برتقالياً”، شجعت كثيراً من النساء على فضح المتحرشين والمعنفين فإن نساء كثيرات أيضاً لا يزلن مجبرات على التكتم على الإساءات الواقعة عليهن، وذلك تجنباً لوصمة العار الاجتماعية وبسبب عدم حمايتهن وعدم ردع المجرمين.
في عام ١٩٧٩، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وحددت يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر يوماً دولياً للقضاء على العنف ضد المرأة، وقد حددت أشكال العنف من النواحي الجسدية والجنسية والنفسية كالآتي:[1]
- عنف العشير (الضرب، الإساءة النفسية، الاغتصاب الزوجي، القتل).
- العنف والمضايقات الجنسية (الاغتصاب، التحرش الجنسي، الاعتداء الجنسي، الزواج القسري، التحرش في الشوارع، الملاحقة، المضايقة الإلكترونية).
- الاتجار بالبشر (العبودية والاستغلال الجنسي).
- تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.
- زواج الأطفال.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية[2] فإن واحدة من كل 3 نساء في أنحاء العالم كافة تتعرض في حياتها للعنف البدني و/ أو العنف الجنسي.
أقرت دوبرافكا سيمونوفيك، وهي المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن العنف ضد المرأة وأسبابه وعواقبه، بوجود حاجة إلى تعزيز جهود هيئات رصد الانتهاكات ضد المرأة وإلى التأكد من تنفيذ الدول الأطراف بنود الاتفاقيات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة. كما أشارت دوبرافكا سيمونوفيك إلى أنواع مستحدثة من العنف، مثل العنف ضد المرأة على الإنترنت، والعنف ضد المرأة في السياسة وخلال الانتخابات، والعنف ضد المرأة أثناء الولادة.[3]
على سبيل المثال، في عام ٢٠٠٥، وقعت عمان اتفاقية سيداو المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، لكنها تحفَّظت على بنود معينة من بينها تمرير المرأة الجنسية لأبنائها. وفي حالات أخرى تحفظت عمان على البند الذي يسمح للجهات المسؤولة بالتحقيق في مدى التزام الدول الأعضاء ببنود الاتفاقية والنظر في شكاوى الأفراد الذين تقوم الاتفاقية بحمايتهم[4].
عمان إحدى الدول التي لايزال عليها قطع شوط طويل للقضاء على العنف ضد المرأة بجميع أشكاله، ويعتبر العنف المنزلي على رأس قائمة الانتهاكات ضد المرأة في عمان بالرغم من أنه لا يزال غير معرف قانونياً. وبينما تتعرض النساء لعنف جسدي وجنسي ونفسي واقتصادي، فإن المؤسسات القانونية لا تعترف بهذه الانتهاكات ولا تحمي النساء منها. عكس ذلك، السلطات تعد هذه الانتهاكات شأناً أسريّاً، ولا يوجد قانون ضد العنف الأسري، ولا خط ساخن للتبليغ عن الانتهاكات، ولا ملاجئ لحماية الضحايا.
كثير من النساء والفتيات أبلغن عن عدم استجابة السلطات المحلية، مثل الشرطة، لبلاغات العنف الأسري، حيث تخلفت الشرطة عن حماية الضحايا بسبب اعتبار العنف شأناً عائلياً، وفي بعض الحالات قامت الشرطة بتوقيع الجاني تعهداً بعدم التعرض للضحية. وقد ثبت عدم جدوى هذا الإجراء، بل وحتى إمكانية تعريضه الضحية لمزيد من العنف نتيجة لغضب الجاني من تبليغ الضحية الجهات المسؤولة.
إضافة إلى ذلك فإن:
- حقوق الجنس والإنجاب منتهكة والإجهاض مجرم قانونياً. تتعرض النساء لضغط مجتمعي في ظل عدم حماية القانون حقهن في الإنجاب وحقهن في رفضه، ولا تؤخذ بالحسبان أسباب الحمل الذي قد يكون نتيجة انتهاكات أخرى مثل الاغتصاب. المادة (٣١٥) تعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (٦) ستة أشهر، ولا تزيد على (٣) ثلاث سنوات كل امرأة أجهضت نفسها عمدا بأي وسيلة كانت أو مكنت غيرها من ذلك برضاها، وتقل العقوبة إلى (١٠) أيام – (٣) أشهر إذا كان ذلك “اتقاء للعار”، في حين تزيد العقوبة على الإجهاض الآمن حيث تنص المادة (٣١٦) على زيادة العقوبة إلى (٣) – (٥) سنوات إذا كان الإجهاض بتمكين أحد مزاولي المهن الطبية[5].
- حق التنقل غير مكفول لفئة كبيرة من النساء العمانيات. أبرز مثال على ذلك، طالبات الجامعات اللاتي يمنعن من مغادرة السكن الداخلي تحت ذريعة “نظام التصاريح”. بوجه عام، تجبر النساء والفتيات في عمان على البقاء حبيسات المنازل، وذلك بسبب الأعراف الاجتماعية والسلطة الأبوية الشائعة في المجتمع العماني في ظل تجاهل الحكومة العمانية التام وعدم سعيها إلى ترسيخ قيم الحرية والمساواة بين الجنسين. كما تمنع عاملات المنازل من حرية الخروج من المنازل ولا يُمنَحن أوقات استراحة من العمل واضحة ومحددة.
- الاغتصاب الزوجي غير معرف قانونياً ولا توجد آليات لحماية النساء والفتيات من العنف الجنسي، بل ولا توجد إحصائيات شاملة لمعرفة مدى انتشار جريمة الاغتصاب والاغتصاب الزوجي والتحرش الجنسي في المجتمع. حسب المادة ١٠ من قانون الأحوال الشخصية فإن زواج القاصرات مسموح به “إذا رأى القاضي أن ذلك لمصلحتهن”.
- حق الطلاق غير مكفول للمرأة قانونياً، وفي المحاكم كثيراً ما يُعرِّضها القضاة للتعنيف والإهانات اللفظية، وهو ما يعد جزءاً من وصمة عار يلصقها المجتمع بالمرأة المطلقة. العقبات القانونية والمجتمعية تفضي إلى استمرار معاناة كثير من النساء وأطفالهن مرارة العيش في بيئات سامة في ظروف تحرمهن الحماية والدعم النفسي والمادي.
نساء كثيرات يتعرضن للعنف في منازلهن، في أماكن عملهن، وحتى في الأسواق والأماكن العامة. ما يزيد القلق هو محاولات إسكات النساء وعدم تصديقهن، وذلك للتهرب من معاقبة الجناة. يدعو المركز العماني لحقوق الإنسان الحكومة العمانية إلى اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية، بدءاً بإبدال القوانين التي تنتهك حقوق المرأة، أو إلغائها أو استحداث قوانين جديدة لحماية النساء من العنف، قوانين تُجرِّم العنف المنزلي والاغتصاب الزوجي وتنهي زواج القاصرات تماماً. كما يقع على عاتق الدولة حماية جميع النساء اللاتي يبلغن عن عنف ضدهن فوراً من خلال حجز المتهمين وتوفير دور رعاية لهن، ومن خلال التعليم، لا بد من زيادة وعي الناس بالمغالطات في بعض الأعراف والتقاليد التي من شأنها التقليل من قدر المرأة. من المهم أيضًا العمل على توفير قاعدة بيانات شاملة لمعرفة مدى انتشار العنف المنزلي وزواج القاصرات والاغتصاب الزوجي في عُمان، وذلك لتمهيد الطريق لعلاج هذي الانتهاكات، وتقييم التقدم المحرز في ذلك.
[1] الفعاليات | إعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة | OHCHR
[3] إنهاء العنف ضد النساء والفتيات: التقدم المُحرَز والتحديات المتبقية | الأمم المتحدة (un.org)
[4] موقف الحكومة العُمانية من التحقيق الدولي وغير الحكومي في انتهاكات حقوق الإنسان – المركز العماني لحقوق الإنسان (ochroman.org)
[5] مرسوم سلطاني رقم ٧ / ٢٠١٨ بإصدار قانون الجزاء – Qanoon.om