حفاظاً على حرية الفكر والدين والمعتقد في عُمان.. يجب إلغاء المادة 269 من قانون الجزاء

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مواده 18 و19 و20 قدم تعريفاً لحرية الدين والمعتقد، شارحاً أسباب أهمية هذه الحقوق في مكافحة التمييز على أساس الدين والمعتقد وتوفير بيئة آمنة لجميع أطياف المجتمع بغض النظر عن توجهاتهم الدينية أو الفكرية.[1]

المادة 18 من القانون الدولي لحقوق الإنسان تنص على أنه:

“لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريّته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الجماعة أو على حدة.”

إن التحدي في عمان لا يتمثل فقط في رفض شريحة كبيرة من المجتمع الاختلاف عن الفكر السائد أو الإلحاد أو ازدراء الديانات الأخرى، بل كذلك في تحريض قامات دينية ذات تأثير واسع ضد الحرية الفكرية والدينية وفي غياب القوانين التي تحمي حرية الدين والمعتقد. بل إن القوانين بحد ذاتها تعد انتهاكاً للحريات، على سبيل المثال: حسب القانون العماني، فإن المادة 269  من قانون الجزاء المحدّث (العقوبات) تنص على أنه:[2]

يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (3) ثلاث سنوات، ولا تزيد على (10) عشر سنوات كل من ارتكب فعلا من الأفعال الآتية:

أ – التطاول على الذات الإلهية، أو الإساءة إليها، باللفظ أو الكتابة أو الرسم أو الإيماء، أو بأي وسيلة أخرى.

ب – الإساءة إلى القرآن الكريم أو تحريفه، أو تدنيسه.

ج – الإساءة إلى الدين الإسلامي أو إحدى شعائره، أو سب أحد الأديان السماوية.

د – التطاول على أحد الأنبياء أو الإساءة إليه باللفظ أو الكتابة أو الرسم أو الإيماء، أو بأي طريقة أخرى.

كذلك فإن المادة 277 من قانون الجزاء العماني الجديد تنصُّ على أنه:

يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (10) عشرة أيام، ولا تزيد على (3) ثلاثة أشهر كل من جاهر في مكان عام بتناول الأطعمة أو المشروبات أو غير ذلك من المواد المفطرة في نهار رمضان.

مفتي عام السلطنة، الشيخ أحمد الخليلي، وهو إحدى الشخصيات المؤثرة في المجتمع ويُعتبر أيضاً موظفاً حكومياً، في أكثر من محاضرة ومقابلة شن هجوما حادا على العلمانيين والعقلانيين والملحدين، وحرّض عليهم، ووصف نشاطهم بأنه “علّة وداء دفين” وأنهم “يريدون نشر الضلال”.[3] كما قام مؤخراً بحملة إلكترونية وقدم ندوة بعنوان: “الإلحاد وحقيقة التوحيد” عبر من خلالها عن توجه عدائي وترويج لخطاب كراهية للعديد من الفئات كالملحدين والشيوعيين وما أسماها “الحملة الصليبية الحاقدة”[4].

وفي قضية حديثة، في شهر يونيو من هذا العام تعرض أربعة أشخاص للاعتقال والمحاكمة في قضايا تتعلق بالحرية الدينية والفكرية، حيث اتُّهمت مريم النعيمي بـ”ازدراء الديانات السماوية” وحُكم عليها بالسجن مدة ٣ سنوات. المقلق أكثر أن الدليل الذي استخدمته السلطات لإدانة مريم تمثل في رسالة واتساب كانت قد أرسلتها قبل عدة سنوات! وهو ما يعد انتهاكاً صارخاً للخصوصية وللعديد من الحريات كحرية التعبير والحرية الدينية والفكرية. في الإطار نفسه أدانت المحكمة علي بن مرهون الغافري بجناية التطاول على الذات الإلهية، والإساءة إليها، وقضت بمعاقبته عليها بالسجن مدة خمس سنوات. في الإطار نفسه تعرض اثنان من المتهمين، هما غيث الشبلي وعبدالله حسن، لمضايقات ومحاكمة بتهمتي “التطاول على الذات الإلهية والإساءة إليها” و”استخدام الشبكة المعلوماتية ووسائل تقنية المعلومات في التحريض والإغواء على ارتكاب الفجور”.[5]

عقب نشر الأحكام عاد المفتي العام للسلطنة الشيخ أحمد الخليلي وأبدى تأييده للأحكام ضد المتهمين الأربعة رغم أنها لا تعد نهائية ولم تتجاوز الطعن في المحكمة العليا، كما حرض على الملحدين ووصف كل من يدعم الحريات الدينية بأنهم ضالون وأعداء لله والبشرية، وذلك في منشور على حسابه الرسمي في توتير، حيث كتب:

“إنا لنشكر المؤسسة القضائية في بلادنا على الأحكام التي أصدرتها على المتطاولين على الله، ونسأل الله تعالى لها التوفيق دائما لحماية حمى الدين الحنيف والانتصار لله تعالى، فماذا يبقى للإنسان إن تطاول على الله الذي خلقه فسواه، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة. وإنا لنرجو تتبع هؤلاء الملاحدة ومحاكمتهم بما تقتضيه شريعة الله غيرة على الحق، وصوناً لحمى الدين، أما أولياؤهم الضالون الذي يستنكرون عقوبتهم ويرون أن حرية الإنسان هي في إرخاء العنان له -وإن تطاول على الله- فإنهم بجانب كونهم أعداء لله هم أعداء للبشرية، ودعاة إلى الفوضى وعدم المبالاة فسحقاً لهم ثم سحقاً”.[6]

الجدير بالذكر أن المادتين ٩٧ و٢٤٨ من قانون الجزاء العماني تعاقبان بالسجن والغرامة كل من ينتقد السلطة القضائية أو يشكك في نزاهة القضاء.[7]

وكان المركز العماني لحقوق الإنسان في تقريره الذي تناول قانون الجزاء العماني بعد تحديثه في 2018، قد حذر من البند أ من المادة ٢٦٩ لأن السلطات قد تستغله في التضييق على أي نشاط تصفه بالإلحادي، كما قد تستغله في مراقبة صاحب النشاط وسجنه، مثلما حدث في قضية مساحات غيث مؤخراً، وفي سنوات سابقة في قضية الراحل حسن البشام الذي اعتقل في ٢٠١٥ و أصدرت المحكمة الابتدائية في صحار في ٢٠١٦حكماً بسجنه مدة ثلاث سنوات وأدانته بتهم مزعومة من بينها “استخدام الشبكة المعلوماتية في ما من شأنه المساس بالقيم الدينية”، وتهمة “إهانة السلطان”. وفي ٢٠١٧ ألغت المحكمة العليا الحكم الأولي بالسجن ثلاث سنوات الصادر ضده لتعيده إلى محكمة الاستئناف، وذلك بسبب تدهور حالته الصحية حيث أخذت المحكمة بعين الاعتبار حقيقة أن الطلب الذي قدمه فريق الدفاع والمتضمن إجراء فحص طبي للمتهم قد تم تجاهله أثناء المحاكمة. وبالرغم من ذلك أيدت محكمة الاستئناف في مسقط بتاريخ 19 نوفمبر 2017 مرة أخرى الحكم الأولي الصادر عن المحكمة الابتدائية ضده، ولقد ذكرت التقارير أن محكمة الاستئناف لم تسمح لفريق الدفاع بعرض أدلته والتقارير الطبية التي يمتلكها.[8]

إن القضايا التي على هذه الشاكلة مؤسفة جداً، وطريقة استخدام الحكومة سلطتها في انتهاك خصوصيات الأفراد وملاحقة الأشخاص الذين لا تتوافق معهم مثيرة للقلق. يجب ألا يتعرض أي أشخاص آخرين للمضايقة والمحاكمة بسبب آرائهم الفكرية. من هذا المنطلق، يدعو المركز إلى إسقاط التهم عن مريم النعيمي وعلي الغافري وإلغاء المادة ٢٦٩ حفظاً للحقوق والحريات الفردية.


[1] Universal Declaration of Human Rights | الأمم المتحدة

[2] يوم حقوق الإنسان – 10 ديسمبر – المركز العماني لحقوق الإنسان (ochroman.org)

[3] حرية الدين والمعتقد – المركز العماني لحقوق الإنسان (ochroman.org)

[4] https://twitter.com/ahmedhalkhalili/status/1526231020428730369?s=21&t=UYEgtS5BeoTpCpYxozAfYg

[5] قضية مساحات غيث: اختبار للحريات الفكرية والدينية – المركز العماني لحقوق الإنسان (ochroman.org)

[6] https://twitter.com/ahmedhalkhalili/status/1535249621936652289?s=21&t=eBcz4U0BY-58Dh6tCR9iQA

[7] اليوم العالمي للديمقراطية – عمان – المركز العماني لحقوق الإنسان (ochroman.org)

[8] رحيل حسن البشام – المركز العماني لحقوق الإنسان (ochroman.org)

قد يعجبك ايضا