
في ٣٠ يونيو من كل سنة، يحتفل العالم باليوم الدولي للعمل البرلماني، وهو ذكرى تأسيس الاتحاد البرلماني الدولي في عام 1889. اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه المناسبة السنوية انطلاقاً من مسؤولية البرلمانيين في تمثيل الشعوب[1] تمثيلاً حقيقياً وضمان الشفافية والمساءلة على مستوى أكبر على الصعيدين العالمي والمحلي.
كما يعد اليوم الدولي للعمل البرلماني فرصة لمراجعة قدرة مجالس النواب على تمثيل جميع طوائف الشعوب وتقييم حفاظها على الديموقراطية والتأقلم مع التغيرات من خلال عدة عناصر منها القدرة على ممارسة الرقابة الذاتية، وإشراك المرأة وفئة الشباب في العمل البرلماني واستيعاب التطورات ووسائل التقنية الجديدة.
تعد البرلمانات القوية قلب الديمقراطية، لأنها تمثل آراء الشعوب وتقر قوانين وتشريعات خاصة تليق بكل مجتمع حسب حاجته. كما تعمل البرلمانات النزيهة على تخصيص الأموال اللازمة لتنفيذ القوانين والسياسات ومحاسبة الحكومات، فضلاً عن عملها في التأكد من أن السياسات والقوانين النافذة تحافظ على مصلحة جميع أطياف المجتمع وتولي الحلقات الأكثر ضعفاً وعرضة للإساءة الاهتمام الكافي لمنحها جميع حقوقها.
بالإضافة إلى ذلك، تقع على عاتق مجالس النواب مسؤولية ضمان تنفيذ الحكومة المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقَّعتها، وذلك سعياً نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.
وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة فإن هناك حاجة عالمية ماسة إلى زيادة تمثيل النساء والشباب بشكل أكبر في البرلمانات المحلية والعالمية حيث[2]:
- تمثل النساء نسبة 25 في المئة من مجمل أعضاء البرلمانات في العالم.
- مع أن ما يقرب من 39 في المئة من سكان العالم هم ممن بين 20 و39 سنة، فإن نسبة أعضاء البرلمان من هذه الفئة لا تزيد على 17.5 في المئة.
وفقاً لمنظمة فريدوم هاوس فإن عمان تُعتبَر واحدة من الدول التي تواجه فيها الديمقراطية والعمل البرلماني تحديات هائلة، حيث لا يترك النظام فرصة للتمثيل السياسي الحر. وتعد عمان ملكية وراثية والسلطة فيها تتركز في يد السلطان الذي يتولى عدداً من المناصب من بينها رئيس الوزراء. يقيد النظام فعليّاً جميع الحقوق السياسية والحريات المدنية، ويفرض عقوبات جنائية على النقد والمعارضة.
أنشئ النظام الأساسي عام 1996، وقد صدر بمرسوم سلطاني، إلا أنه لم يرق إلى أن يكون دستوراً ضامناً للحريات وكافلاً للحقوق، ولا سيما أنه كان ممهداً لانضمام عمان إلى منظمة التجارة العالمية، وقد سادته أوجه قصور حادة فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق المواطنة. مجلس عُمان يتألف من مجلس دولة معين ومجلس شورى ينتخب المواطنون أعضاءه كل أربع سنوات لكنه يفتقر إلى أي سلطات تشريعية ويمكنه فقط التوصية بإجراء تغييرات على القوانين الجديدة.
بينما يسمح الإطار الانتخابي لجميع المواطنين فوق سن الـ21 بالتصويت ما لم يكونوا في الجيش أو قوات الأمن، إلا أن الإطار ينطبق فقط على مجلس الشورى والمجالس البلدية، التي تعمل إلى حد كبير كهيئات استشارية. وتقوم وزارة الداخلية بإدارة الانتخابات ولا تتولى ذلك لجنة مستقلة، وهو ما يحول دون ضمان ممارسة انتخابات نزيهة وشفافة تمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن وزارة الداخلية والسلطات الأمنية كانت قد منعت ترشُّح عدد من الناشطين في احتجاجات عام 2011، وذلك لأنهم كانوا يحظون بتأييد شعبي معبر عن مطالب ديمقراطية. كما أن الملاحقات الأمنية كانت دائماً حجر عثرة يعترض قبول طلبات ترشح بعض المواطنين على الرغم من عدم وجود موانع جنائية يعتد بها.
إن السلطان يحتكر السلطة السياسية. ويستبعد هيكل النظام المعمول به إمكانية التغيير في الحكومة من خلال الانتخابات. إن الطبيعة الحيادية المحدودة للانتخابات العُمانية، وهيمنة السلطان الساحقة على المجتمع العماني، وقمع السلطات للمعارضة عوامل لا تترك للناخبين والمرشحين الاستقلال الذاتي في خياراتهم السياسية.
من ناحية أخرى فإن المقيمين، الذين يشكلون قرابة 44 في المائة من السكان، لا يتمتعون بحقوق سياسية أو فرص انتخابية. وبشكل عام تنتقل الجنسية من الآباء العمانيين إلى أبنائهم فقط، في حين لا يمكن أن تنتقل بواسطة الأمهات، الأمر الذي يجعل عمان إحدى الدول القليلة التي لا تزال لا تطبق المساواة في نقل الجنسية. وكي يحصل الأجانب المقيمون بشكل قانوني على الجنسية العمانية يُشترَط عليهم أن يعيشوا في البلاد مدة 20 عامًا، أو 15 و10 سنوات للأزواج الأجانب وزوجات المواطنين العمانيين، على التوالي، إذا كان لديهم ابن. هذه الشروط وغيرها تجعل التجنس نادرًا نسبيّاً.
من الناحية القانونية فإنه يمكن المرأة العمانية أن تصوت وترشح لتولي عضوية مجلس الشورى، لكن فرصها العملية في التنظيم بشكل مستقل وتعزيز مصالحها في النظام السياسي قليلة، وقد انتخبت سيدتان لعضوية مجلس الشورى عام 2019 بعد أن كانت هناك عضوة واحدة فقط عام 2015، وعُيِّنت سبع سيدات بمقاعد في المجالس البلدية في عام 2016 مقابل أربع في عام 2012، وتوجد خمس عشرة سيدة في مجلس الدولة المعين.
أما الأحزاب السياسية فغير مسموح بها والسلطات لا تتسامح مع أي شكل من أشكال المعارضة السياسية المنظمة. ينص قانون صدر عام 2014 على إسقاط الجنسية عن العمانيين الذين ينضمون إلى المنظمات التي تعتبر ضد “المصلحة الوطنية”.
السلطان ودائرة داخلية من المستشارين وكبار الوزراء غير المرشحين يهيمنون على سياسة الحكومة، وهو ما يعد تحدياً حقيقياً لتمرير سياسات وقوانين تضمن مصلحة الشعب والحلقات الأكثر ضعفاً، خصوصاً في ظل عدم توفير النظام القانوني العماني إطارًا فعالًا لمنع الفساد وكشفه ومقاضاة ممارسيه بحيادية من خلال مجلس نيابي مستقل ومنتخب بنزاهة، بل إن النظام الحاكم يحرص على استخدام “مجلس الشورى” بدلاً من “مجلس النواب” وذلك كي ينأى بالوعي الشعبي عن دور التغيير الحقيقي المفترض الذي يجب على أي مجلس نيابي القيام به في مواجهة الحكومة والسلطة الحاكمة. إن الحرص على استخدام “مجلس الشورى” يبقي هذا المجلس في إطار ديني ناعم ويحصر دوره في الاستشارة فقط والممارسة السياسية الخالية من الالتزام والمعارضة والمحاسبة والفضح والتأثير الفاعل في تغيير منظومة القوانين الجائرة ووضع حد للفساد.
ضمان الشفافية، وهي مسؤولية يجب أن تعطى للبرلمانات، غير موجود في عمان، حيث لا ينص القانون على ضمان حرية تداول المعلومات من الأساس، وذلك بسبب تركز القوة والسلطة في دائرة صغيرة تحيط بالسلطان. ورغم مراقبة جهاز الرقابة المالية الإنفاق الوزاري وتضارب المصالح والشركات المملوكة للدولة، فإن نتائجه لا تنشر للجمهور، ولا تغطي البلاط السلطاني والجيش[3]، على سبيل المثال لا الحصر، ناهيك عن علامات الاستفهام والتعجب الكبيرة المحيطة بهذا الجهاز والدور الأمني الذي طالما أُشير إليه بأصابع الاتهام وإلى تسببه في نشر الفساد الممنهج والتعتيم عليه، خصوصاً في الآونة الأخيرة بعد أن أصدر السلطان هيثم مرسوماً بتعيين غصن بن هلال العلوي نائب رئيس جهاز الأمن الداخلي السابق رئيساً لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة!
في هذه المناسبة يذكر المركز بأهمية البرلمانات لضمان الديموقراطية وحفظ حقوق ومصالح الشعوب. كما يدعو المركز الحكومة العمانية إلى العمل على إشراك الشعب في صنع القرار وتمرير القوانين والتشريعات والعمل على ضمان الشفافية وحرية الوصول إلى المعلومة من خلال إعادة تنظيم مجلس عمان ومجلس الشورى ليكونا منتخبين تماماً وإعطاء المجالس سلطة أكبر لمحاسبة الحكومة وتمرير القوانين والتشريعات.
[1] اليوم الدولي للعمل البرلماني | الأمم المتحدة (un.org)
[2] ibid
[3] Oman: Freedom in the World 2021 Country Report | Freedom House