حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: عدم ترك أي شخص خلف الركب

وفقاً للأمم المتحدة فإن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ليست فقط وثيقة تُعنى بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، بل إن مبادئها وأحكامها تفيد البشرية بأكملها، لأنها تعزز رد فعلنا على الإقصاء والفصل، حيث إن أهداف التنمية المستدامة تستوجب عدم ترك أي شخص خلف الركب[1]. حسب تعداد عام ٢٠٢٠ [2] فإن عدد السكان العمانيين في السلطنة بلغ 2,731,456 نسمة ١.٥٥٪ منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.

لا تقدم اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة (“CRPD”) تعريفًا للإعاقة، ولكنها بدلاً من ذلك تقدم وصفًا أشمل، وتنص في المادة ١ على أن “الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة” يشملون “أولئك الذين يعانون من إعاقات جسدية، أو عقلية، أو ذهنية، أو حسية طويلة الأمد والتي قد تعوق مشاركتهم الكاملة والفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين”[3].

تسعى الاتفاقية إلى: “ضمان التمتع الكامل والمتساوي بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة وتعزيز احترام كرامتهم المتأصلة”.

تحدد اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة مجموعة واسعة من الحقوق التي تتناول جميع جوانب الحياة، كالآتي[4]:

التعليم: يعد التعليم محدداً اجتماعياً للصحة، ويرتبط انخفاض مستويات التعليم بالنتائج الصحية السيئة بما في ذلك المرض وسوء التغذية وارتفاع معدلات وفيات الرضع. من المهم النظر في حق الأشخاص ذوي الإعاقة بالحصول على التعليم الجيد كجزء من آليات الحماية من التعرض لمختلف الأمراض وأشكال الإساءة. في عمان (٤٠.٥٪) من الأشخاص ذوي الإعاقة ممن عمرهم ١٠ سنوات فأعلى لا يحملون أي مؤهل دراسي. ضمن الأشخاص ذوي الإعاقة ممن عمرهم ٦ سنوات فأعلى هناك فقط من نسبتهم (١٦.١٪) ملتحقون بالتعليم حالياً، وهو ما يترك النسبة الأكبر من ذوي الإعاقة بدون الحصول على التعليم الأساسي. [5]

العمل: الحق في العمل يعد أيضا محدداً اجتماعياً، غير أن نسبة مشاركة ذوي الإعاقة في سوق العمل ضئيلة، وعند توظيفهم ففي كثير من الأحيان يُعيّنون في وظائف منخفضة الأجر. لذلك ليس من المستغرب أن يتعرض الأشخاص ذوو الإعاقة للفقر والتهميش الاجتماعي بمعدل أكبر، حيث يعد العمل وسيلة لكسب العيش وكذلك للمشاركة في المجتمع. إضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه، فإن العوائق التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة تشمل التمييز والوصم، والافتقار إلى أماكن الإقامة الملائمة، ونقص وسائل النقل التي يمكن الوصول إليها. في عمان (٧.٢٣٪) من الأشخاص ذوي الإعاقة إعاقتهم جسدية. إنهم بوجه عام يعانون الحرمان من التعليم والتدريب المهني. و(٦٥٪) ممن هم في عمر ١٥ سنة فصاعداً لا يعملون، ونسبة (٣٥٪) منهم يعملون بدون أجر[6].

الصحة: تتطلب اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير لضمان وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى الخدمات الصحية التي تراعي الفوارق بين الجنسين، بما في ذلك إعادة التأهيل. الأشخاص ذوو الإعاقة معرضون لخطر جسيم إذا كان تشخيص أمراضهم متأخراً. إنهم يعانون كذلك الأمراض الثانوية المصاحبة، والإساءة المستمرة، واستنفاد رأس المال الاجتماعي والعزلة.

كما يمكن أن تكون طريقة توصيل المعلومات حاجزاً أمام الأشخاص ذوي الإعاقة. على سبيل المثال، يعد تقديم المعلومات بطريقة بريل، الخاصة بالمكفوفين، ولغة الإشارة، من أشكال الاتصال التي تجعل المعلومات في متناول الأفراد الذين قد يواجهون حواجز. وبالمثل، فإن استخدام لغة سهلة للقراءة أو استخدام الصور والرسوم المتحركة تعتبر طرقاً مختلفة لضمان حق الوصول إلى المعلومة.

تنص اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المادة 25 على أنه “يجب على الدول الأطراف ضمان كفاءة المهنيين الصحيين في تقديم الرعاية بنفس الجودة للأشخاص ذوي الإعاقة مثل الآخرين، بما في ذلك على أساس الموافقة الحرة والمستنيرة”.

الحق في العيش في المجتمع: ويشمل المشاركة في الحياة الثقافية، وأوقات الفراغ والترفيه والرياضة، والحق في الحياة، وكفاءة البنية التحتية. المادة 19 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تتعلق بشأن حق العيش المستقل والاندماج في المجتمع. عدم تهيئة البنية التحتية بطريقة شاملة للأشخاص ذوي الإعاقة يحد من المشاركة في المجتمع ومن الوصول إلى خدماته، وينكر الحق في الاختيار، ويعزل الأفراد عن المجتمع.

الحقوق الجنسية والإنجابية: تنص المادة 25 على أنه يجب على الدول الأطراف أن توفر للأشخاص ذوي الإعاقة نفس برامج الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية التي تُوفرها للأشخاص الآخرين، وضمان الحقوق الجنسية والإنجابية للأشخاص ذوي الإعاقة. مع ذلك غالبًا ما تتعرض حقوق الأشخاص ذوو الإعاقة لانتهاكات جسيمة، ولا يمكنهم الوصول إلى الخدمات الجنسية والإنجابية. في عمان (٤٨٪) من الأشخاص ذوي الإعاقة ممن بلغوا ١٥ سنة فأكبر، لم يتزوجوا قط، وأغلبية المتزوجين ذكور[7].

الحق في المساواة في الحماية والاستفادة من القانون: ويشمل حق عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة. الأشخاص ذوو الإعاقة معرضون للعنف وسوء المعاملة والاستغلال، وهم أكثر عرضة للانتهاكات داخل منازلهم وخارجها، حيث إن أفراد الأسرة ومقدمي الرعاية الصحية وأفراد المجتمع ينتهكون حقوقهم الإنسانية. وفي المدارس يعاني الأشخاص ذوو الإعاقة أيضًا من معدلات أعلى من العقاب البدني، والعنف الجنسي والاعتداء الجنسي والاستغلال الجنسي، وهم أكثر عرضة بثلاث مرات من غير المعاقين للاعتداء الجسدي والجنسي والاغتصاب.

في ١٧ مارس ٢٠٠٨ وقَّعت عمان اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وصادقت عليها لكنها تحفظت على توقيع البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهو اتفاق جانبي للاتفاقية يسمح للأطراف بالاعتراف باختصاص لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بالنظر في الشكاوى المقدمة من الأفراد، وهو ما يشكل نقطة ضعف فيما يتعلق بالتزام عمان بضمان جميع حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في ظل رفض محاسبة المنتهكين أو مراقبتهم[8].

كما لا تقدم المناصُّ الحكومية على الإنترنت، مثل البوابة التعليمية وغيرها، وسائل خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة لإيصال المعلومات إليهم، مثل الترجمة الصوتية للمكفوفين، وهو أمر يعوق حرية الأشخاص ذوي الإعاقة في الوصول إلى معلومات أساسية وتنفيذ مهام ضرورية ويحرمهم حق الاستقلال، رغم أن (٣٤٪) من الأشخاص ذوي الإعاقة في عمان لديهم إعاقة سمعية[9].

بينما تُعفي الحكومة الأشخاص ذوي الإعاقة من رسوم استقدام عامل منزلي أو سائق خاص، فإنها تحدد فئة معينة تنحصر في الذين يقل دخلهم عن 350 ريالاً، ولا توفر دعماً فيما بعد لدفع تكاليف العامل الشهرية، وهو ما ترتب عليه ترك العدد الأكبر من الأشخاص ذوي الإعاقة بدون القدرة على تحمل نفقة الحصول على مساعدة مهنية تعتبر ضرورية لكثيرين منهم.

رغم كون قلة المواصلات العامة في عمان مشكلة عامة تؤثر في شرائح مختلفة من المجتمع، يتعرض الأشخاص ذوو الإعاقة للعوائق الناتجة عنها أكثر من غيرهم، ناهيك عن العوائق الناجمة عن عدم جهازيتها لتسهيل تنقل الأشخاص ذوي الإعاقة. إن هذا يعد انتهاكاً لحق حرية التنقل وحق العيش في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين.

يجب أن تعمل الحكومة على زيادة الوعي والفهم والاعتراف بالإعاقة كقضية من قضايا حقوق الإنسان على النحو المنصوص عليه في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.


[1] OHCHR | Human Rights of persons with disabilities

[2] bar_People with disability 2020_90a21c50-b3e3-4989-a60e-0654258124e2.pdf (ncsi.gov.om)

[3] Disability and human rights – Health and Human Rights Resource Guide (hhrguide.org)

[4]Ibid

[5] bar_People with disability 2020_90a21c50-b3e3-4989-a60e-0654258124e2.pdf (ncsi.gov.om)

[6] Ibid

[7] Ibid

[8] CRPD List of Countries by Signature : Confirmation : Accession : Ratification | Disabled World (disabled-world.com)

[9] bar_People with disability 2020_90a21c50-b3e3-4989-a60e-0654258124e2.pdf (ncsi.gov.om)

قد يعجبك ايضا