الصحة النفسية وحق الحصول على الرعاية الصحية

لا يزال الفهم الخاطئ للأمراض النفسية والعقلية في جميع أنحاء العالم يعرض مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال المصابين بأمراض عقلية للتقييد بالأغلال أو الحبس في أماكن ضيقة مرة واحدة على الأقل في حياتهم. في الواقع وجدت هيومن رايتس ووتش أدلة على ممارسة التكبيل في ٦٠ دولة في العالم.

رصدت منظمة هيومن رايتس ووتش ممارسات مثل احتجاز المرضى النفسيين في المنازل أو في مؤسسات خاصة تديرها الدولة، أو في مراكز علاج تقليدية أو دينية، قد تكون أماكن مزدحمة وقذرة حيث يُجبرون على تناول الطعام والنوم والتبول والتغوط في المنطقة الضيقة نفسها. هذه الممارسة اللاإنسانية – التي تسمى “التكبيل” – مستمرة بسبب عدم كفاية الدعم ونقص خدمات الصحة العقلية بالإضافة إلى المعتقدات المنتشرة التي تصم الأشخاص الذين يعانون من إعاقات نفسية اجتماعية بصفات معيبة.

على الصعيد العالمي، تقدر هيومن رايتس ووتش أن ٧٩٢ مليون شخص أو ١ من كل ١٠ أشخاص، بمن في ذلك ١ من كل ٥ أطفال، يعانون من حالة صحية عقلية. وقد رُصِدَ الاكتئاب باعتباره الحالة المرضية الأكثر شيوعاً، ليكون انتشاره مضاعفاً بين النساء مقارنة بالرجال، والسبب يعود إلى ارتفاع معدل العنف الجنسي الذي يتعرضن له، ومن ثم فإن النساء يتعرضن لاضطراب ما بعد الصدمة بنسبة أكبر.

ومع ذلك، لا تنال الصحة النفسية سوى اهتمام محدود من الحكومات في أنحاء العالم. في المتوسط، تنفق البلدان من ميزانياتها المخصصة للصحة أقل من ٢٪ على الصحة النفسية. إضافة إلى تكلفة خدمات الصحة النفسية الباهظة فإن أكثر من ثلثي البلدان لا يغطي سداد تكاليف خدمات الصحة العقلية ضمن التأمين الصحي، حتى عندما تكون خدمات الصحة النفسية مجانية أو مدعومة، فإن المسافة وتكاليف النقل تشكل عائقًا كبيرًا.

في كثير من الأحيان لا تمتثل خدمات الصحة النفسية للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وذلك بسبب القصور في فهم الصحة النفسية ووعي أهميتها. في بلدان عديدة، هناك اعتقاد شائع بأن حالات الصحة العقلية ناتجة عن تحكُّم الأرواح الشريرة، أو الشيطان بالضحية، أو بسبب الذنوب، أو السلوك غير الأخلاقي، أو الافتقار إلى الإيمان، لذلك يستشير الناس أولاً المعالجين الدينيين أو التقليديين، وغالبًا ما يطلبون المشورة الطبية فقط كملاذ أخير وهو أمر يعتبر انتهاكاً لحقوق هؤلاء المرضى.

من بين 60 دولة وجدت فيها هيومن رايتس ووتش أدلة على التقييد بالأغلال، هناك قلة منها فقط لديها قوانين أو سياسات أو استراتيجيات معمول بها تحظر صراحة تكبيل الأشخاص المصابين بأمراض نفسية أو تهدف إلى إنهاء تكبيلهم، أو اعتماد تدابير للحد من وصمة العار التي تُلصَق بالأشخاص ذوي الإعاقات النفسية والاجتماعية، أو تسعى إلى تطوير خدمات صحة نفسية مناسبة وطوعية ومجتمعية.

أما في عمان، يقول رضا، الذي لديه أقارب مكبلون في عمان: “إنه لأمر مفجع أن اثنين من أبناء عمي الذين يعانون من حالات صحية عقلية تم حبسهم معًا في غرفة لسنوات عديدة، لقد بذلت عمتي قصارى جهدها لدعمهم لكنها تكافح مع وصمة العار ونقص خدمات الصحة العقلية في عمان، لقد حان الوقت لكي تبدأ الحكومات بالتعامل مع قضايا الصحة العقلية والنفسية حتى لا تُترك العائلات للتعامل مع الأمر بمفردها.”[1]

في حادثة مرتبطة بهذا الشأن، قام المركز العماني بتغطية خبر انتحار الفتاة العمانية زوينة الهنائي في ديسمبر عام ٢٠٢٠، وهو ما أدى إلى تفاعل نسبة ملحوظة من أفراد المجتمع، وذلك بسبب الرسالة التي تركتها الراحلة زوينة التي أفصحت فيها عن يأسها من الحياة الذي أدى إلى انتحارها. أثارت هذه الحادثة تساؤلات عديدة تتعلق بالعنف الأسري ضد الفتيات والنساء في عمان. تجدر الإشارة هنا إلى أن تسجيلات هاتفية سُرِّبت مؤخراً وزُعِم أنها بصوت الراحلة المنتحرة زوينة الهنائي تظهر فداحة الحالة النفسية التي عانتها قبل إقدامها على الانتحار، حيث كانت بمعزل عن أي نوع من أنواع العلاج النفسي أو الحوار، وكانت يائسة إلى درجة أن الهلع والبكاء الهستيري كانا ينهكان قدرتها على الكلام ويجعلانها منهارة تماماً.

إن عدم توفير دعم نفسي كثيراً ما يؤدي إلى معاناة النساء النفسية والجسدية ويصاحب ذلك إهمال الجهات المختصة المتمثل في غياب القوانين التي تحميهن وعدم توفير دور رعاية مختصة وخط ساخن تستطيع الضحايا بواسطته الإبلاغ عن العنف الممارس عليهن والحصول على دعم نفسي قبل فوات الأوان. كل هذه العوامل تزيد من احتمال إصابة النساء بالأمراض النفسية والعقلية وتسلب حقهن في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.[2]

العلاقة بين عدم المساواة المتعلقة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي وبين سوء الصحة العقلية علاقة طردية، وهكذا فإن مشكلات الصحة العقلية والنفسية يمكن أن تخلق دوامة من المحن حيث إن العوامل ذات الصلة مثل الأوضاع الوظيفية والبطالة والدخل والعلاقات الاجتماعية بدورها تساهم في مضاعفة سوء الصحة العقلية ومفاقمتها.

يطالب المركز العماني لحقوق الإنسان الجهات المختصة في عمان باحترام حقوق المرضى الذي يعانون من أمراض نفسية وعقلية بالقدر نفسه الذي يُتعامَل من خلاله مع الأمراض الجسدية، وذلك من خلال عمل الآتي:

  • توفير خط ساخن ودور رعاية لضحايا العنف المنزلي.
  • توفير خط ساخن وإدارته بواسطة مختصين أو متطوعين، لتقديم الدعم المعنوي وهو ما يعمل به كثير من الدول لتقليل حالات الانتحار والحد من التعرض لحالات نفسية مزمنة أو ميؤوس من علاجها. كما يجب احترام المرضى وإبقاء حالاتهم وبياناتهم في نطاق سري وعدم تسريبها إلى أطراف ليست ذات صلة بالحصول على العلاج المطلوب.
  • تعزيز الوعي بالأمراض النفسية والعقلية ودحض الأفكار المغلوطة من خلال دمج الصحة النفسية في المناهج التربوية.
  • تطبيق نظام شامل ومتعدد القطاعات لمعالجة القضايا المتعلقة بالصحة النفسية للوقاية منها قبل علاجها مثل التمييز على أساس الجنس، والإساءة للأطفال، والأوضاع الوظيفية الرديئة.
  • عمل دراسات وبحوث دورية تأخذ في الاعتبار تأثير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والمادية، داخل المنازل والمؤسسات التعليمية والصحية، في الصحة النفسية والعقلية للأشخاص.

[1] HRW: Shackling of People with Psychosocial Disabilities Worldwide | HRW

[2] OHRC: The Omani feminist movement: Between the hammer of government and the anvil of society – The Omani Centre for Human Rights (ochroman.org)

قد يعجبك ايضا