
منظمات حقوقية عديدة مقتنعة بأن الأمن السيبراني هو ساحة المعركة الجديدة لحقوق الإنسان. إحدى هذه المنظمات هي منظمة الاتصالات التقدمية “Association For Progressive Communications” التي أشارت إلى أن الأمين العام أنطونيو غوتيريس في خطابه الأول في افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ٢٠١٧، سلط الضوء على تهديدات الأمن السيبراني المتصاعدة باعتبارها تهديدًا رئيسيًّا للأمن الدولي، وأن الهجمات الإلكترونية أدت إلى إغلاق المستشفيات، وقطع الشبكات الكهربائية، وتوقف المدن الكبرى، بل وأثرت في نزاهة العمليات الديمقراطية.[1]
لا يوجد تعريف عالمي للأمن السيبراني؛ لكن التعريف الذي طورته مجموعة عمل (اف. او. سي): “الحفاظ، من خلال السياسة والتكنولوجيا والتعليم، على توافر وسرية وسلامة المعلومات والبنية التحتية الأساسية من أجل تعزيز أمن الأشخاص على الإنترنت وخارج الإنترنت.”
بالنظر الى تعريف الأمن السيبراني، يمكن فهم أن تهديدات الأمن السيبراني أو انعدام الأمن السيبراني تعتبر انتهاكات لحقوق الإنسان. إن رفض توفير المعلومات وعدم وضع قوانين لتنظيم الأمن السيبراني ينتهك مجموعة واسعة من الحقوق، بما في ذلك تقييد الوصول إلى المعلومات، حجب شبكات معينة، وتقييد حرية التعبير، والتجمع السلمي والمشاركة، بالإضافة الى مجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
هناك أمثلة لا حصر لها لدوافع اختراق البيانات على الإنترنت، سواء من خلال انتهاك البيانات لتحقيق مكاسب مالية، أو المراقبة الحكومية لجماعات معينة أو الهجمات التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان أو الصحفيين وهو ما يعتبر انتهاكاً للحق في الخصوصية وسرية الاتصالات، والذي يؤدي بدوره الى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، مثل الاحتجاز والتعذيب والقتل وانتهاك حق الخصوصية وحرية الوصول الى المعلومة وحرية التعبير.
أشار تقرير لقناة بي بي سي غطى مؤسسات ودولاً عربية من ضمنها عُمان إلى أن الحكومات في الشرق الأوسط تهدد الأمن السيبراني من خلال التجسس على المواطنين ولا سيما السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.[2]
برنامج “السلطة الخامسة” في قناة (دي. دبليو) الألمانية الناطقة بالعربية، أشار إلى أن دولاً عربية، مثل عمان، تقوم بدفع أموال هائلة تقدر بالملايين لشركات تختص بتهديد الأمن السيبراني واختراق البيانات على الإنترنت.
تأكد للمركز العماني لحقوق الإنسان جدية انتهاكات حقوق الانسان فيما يتعلق بتهديدات الأمن السيبراني في عمان، وذلك من خلال مراجعة القوانين الخاصة بذلك، أو من خلال شهادات نشطاء وكتّاب عمانيين بأن حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي واتصالاتهم الهاتفية مراقبة.
وُوْجِهَ عدد من الناشطين بعد استدعائهم للاستجواب بأدلة متمثلة بنشاطهم عبر الإنترنت مثل الرسائل النصية عبر الهاتف النقال أو عبر تطبيقات كالواتس اب أو عبر تسجيلات صوتية.
كما وجه الادعاء العام العماني تهما إلى ناشطين بناء على أدلة تمثلت في رسائل على الواتس آب، وقد قبلت المحاكم العمانية تلك الأدلة واعتماداً عليها أدانت أولئك الناشطين وحكمت عليهم بالسجن أو الغرامة.
وفقًاً لشهادة عدد من الناشطين فإن الحكومة نجحت في زيادة التقييد على حرية التعبير من خلال الرقابة على الإنترنت وانعدام الأمن السيبراني حتى في المجالات غير الحقوقية أو السياسية.
في يونيو ٢٠٢٠ أصدر هيثم بن طارق، سلطان عمان، مرسوماً لإنشاء ما يسمى “مركز الدفاع الإلكتروني” والذي يُديره جهاز الأمن الداخلي المتورط في عمليات مراقبة وتجسس على عدد من بيانات وهواتف الصحفيين والناشطين منذ ٢٠١١.
قبل ذلك، في مارس 2020، أصدر هيثم بن طارق سلطان عمان (2020 – …)، المرسوم 4/2020 لتحديد قانون جهاز الأمن الداخلي والذي أفاد بأن جهاز الأمن الداخلي لا يخضع لأي رقابة أو محاسبة، ولا يُدقِّق في أفعال موظفي الجهاز، كما أعطى المرسوم رئيس الجهاز صلاحية غير محددة لسن اللوائح والقوانين بهدف تنفيذ أحكام المرسوم.[3]
بالإضافة إلى تورط جهاز الأمن الداخلي في انتهاكات تهدد الأمن السيبراني، مثل التجسس على خصوصيات المواطنين، حجب المواقع الإلكترونية، والتعدي على حرية الحصول على المعلومة، شرع الجهاز منذ عقود في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان مثل الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري، والاحتجاز غير القانوني.
يحتوي قانون جهاز الأمن الداخلي الجديد على مواد تعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان فيما يتعلق بحق التمتع بالأمن السيبراني، مثل:
المادة 5: حسب هذه المادة فإن كل ما يتعلق بالجهاز وموظفيه ووثائقه يعتبر من أسرار الأمن الوطني، وهو ما قد يعرض أي فرد ينتقد الجهاز وصلاحياته أو اعتقالاته التعسفية للمحاسبة، كما تُحصّن المادة الجهاز من أي مراقبة أو محاسبة خارجية.
المادة 8: تمكن الجهاز من التجسس على أجهزة الأفراد واستخدام بياناتهم الخاصة. التجسس دون وجود آلية مراقبة ومحاسبة يحد من الحريات العامة للأفراد.
المادة 9: البراءة الأمنية تعد أداة تستخدمها السلطات الأمنية لتطويع الأفراد ومنعهم من القيام بأي نشاط أو إبداء أي رأي يمكن تفسيره بأنه مخالف للسلطة أو ضدها.
المادة 10: ربطا بالمادة 8، هذه المادة إضافة إلى أنها تشرع التجسس على خصوصيات الأفراد، فإنها كذلك تشرع ابتزاز المواطنين واستخدام ورقة الضغط والتداعيات القانونية ضدهم.
في مارس من العام الماضي قامت الحكومة العمانية بحجب كل من شبكة مواطن الإعلامية وتطبيق كلوب هاوس مستخدمة سلطتها على الإنترنت لتقييد حرية التعبير وحرية الوصول إلى المعلومة.[4]
يطالب المركز العماني لحقوق الإنسان الحكومة العمانية باحترام خصوصيات الأفراد وحرية التعبير، وبعدم التجسس على المواطنين. إن حجب مصادر على شبكة الإنترنت بذريعة الحفاظ على أمن الدولة يعد تضليلاً وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان.
[1] APC: Why cybersecurity is a human rights issue, and it is time to start treating it like one | Association for Progressive Communications (apc.org)
[2] OCHR: هل أنت مراقب؟ – المركز العماني لحقوق الإنسان (ochroman.org)
[3] OCHR:
قانون جهاز الأمن الداخلي – المركز العماني لحقوق الإنسان (ochroman.org)
[4] OCHR: حرية الصحافة في عُمان. – المركز العماني لحقوق الإنسان (ochroman.org)