صحافة حرة = مجتمعاً حرّاً

الصحافة في البلدان العربية تتعرض لتضييق شديد وتحيط بها تحديات عادة ما تقود إلى غياب دورها الحقيقي وتجعلها صحافة منحازة تماماً إلى صف السلطات.

المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[1] نصّت على أن:

لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية”.

عُمان إحدى الدول التي لم توقع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حتى الآن، وهي دولة تمارس رقابة مشددة على العمل الصحفي والصحفيين.

قانون المطبوعات والنشر الصادر عام 1984، ما زال هو القانون السائد والمتحكم في العمل الإعلامي والصحفي في عمان، على الرغم من مرور 38 عاما على إصداره.

أضيفت بعض التعديلات إلى القانون على مراحل زمنية متباعدة، ولكن ما زال العديد من العاملين في المجال الإعلامي والصحفي يرون أن القانون محبط للآمال، وأنه لا يُلبي التطلعات ولا يتواءم مع التطور التكنولوجي وعصر السوشيال ميديا الذي أحدث نقلة نوعية وانقلاباً حتى على صعيد مفهوم الصحافة والإعلام الذي ظل زمناً طويلاً محصوراً في الأشكال التقليدية لبث الأخبار التي غدت الآن مواكبة للأحداث لحظة بلحظة، مخترقة حدود الزمان والمكان المتعارف عليها قبل عقود مضت.

أحد التعديلات التي أُجريت على قانون المطبوعات والنشر يتمثل في القرار الذي أصدره وزير الإعلام الحالي في ديسمبر 2020، والذي أخضع وسائل الإعلام الإلكترونية لقوانين الإعلام التقليدية نفسها، أي قانون المطبوعات والنشر وقانون المنشآت الخاصة للإذاعة والتلفزيون، وهو ما يضع عقبة كأداء أمام التطور الصحفي والإعلامي الهائل الذي ما عاد بأي حال من الأحوال قابلاً لإخضاعه لسيرورة النظام الإعلامي التقليدي الذي اندثر عملياً، وفي أضيق الأحوال لا يمكن تطبيقه إلا على الصحافة الورقية والقنوات الإعلامية المحلية التي لا تعبر الحدود.

كل من يسعى اليوم إلى إنشاء أو إطلاق موقع إعلامي أو إخباري على الإنترنت، لا بد أن يحصل على ترخيص مماثل لترخيص الصحيفة أو المجلة الورقية، وهو أمر مستغرب ويتجاهل الواقع المعاش ليس محلياً فحسب بل عالميّاً، حيث اختلفت الأعراف جذرياً في هذا السياق، فعلى سبيل المثال بينما كان قانون المطبوعات والنشر يشترط توفير نصف مليون ريال لإنشاء جريدة يومية وربع مليون ريال لإنشاء مجلة، يستطيع أي شخص اليوم إنشاء موقعه أو منصته الإعلامية المرئية أو المقروءة في غضون دقائق دون الحاجة إلى دفع أي تكاليف مالية.

 محظورات النشر والقيود المفروضة على نوع المواضيع تشكل اليوم أكبر تحد لتطور العمل الصحفي والإعلامي وتمكينه من أن يكون حراً، مستقلاً، شفافاً، ونزيهاً.

المواد 25، 26، 27، 28 من قانون المطبوعات والنشر ، تحظر نشر أي مواد فيها انتقاد للسلطان وأسرته أو نشر ما من شأنه المساس بسلامة الدولة وأمنها داخليا وخارجيا، أو نشر أي مستندات يمكن تفسيرها على أنها تكشف أسرارا عسكرية/أمنية أو تضر بالعملة الوطنية[2]. إن هذه المحظورات مطاطة وغير واضحة وقد تعرضت كثيراً لانتقادات منظمات حقوق الإنسان الدولية باعتبارها قيوداً تلجأ السلطات العمانية لاستخدامها ضد النشطاء والمعارضين والمحللين ومتابعي الشؤون الحقوقية والسياسية المحلية.

في عام 2016، أصدرت محكمة عمانية حكماً بإغلاق جريدة الزمن وصحيفة البلد الإلكترونية. كما تعرض صحفيون للاعتقال والاستجواب والسجن وسحب رخص ممارسة العمل الصحفي. وفي عام ٢٠١٧ سحب تمثيل وكالة رويترز من صحفية عمانية. وحسب متابعين فإن مراسلي القنوات الفضائية ووسائل الإعلام والصحافة العالمية من عمان غالباً ما يكونون عناصر أمنية أو يمارسون عملهم في نطاق ضيق جداً ينتهي بهم إلى الاستقالة أو المنع. وذلك لأن وكالات الأنباء العالمية وما في حكمها من القنوات والصحف لا يمكنها تعيين أي مراسل أو إعلامي إلا بعد حصوله على موافقة وزارة الإعلام العمانية.

تجدر الإشارة أيضاً إلى أن السلطات في عمان حظرت في 2020 موقع شبكة مواطن الإلكتروني للمرة الثانية. وقبل ذلك، في منتصف تسعينيات القرن الماضي وعلى مدى السنوات الماضية، كانت عدة منتديات إلكترونية، مثل “السبلة العمانية”، “الحارة العمانية”، ومدونات نشطاء قد آلت إلى نفس المآل وحوكم مؤسسوها، وسمح لبعضها بالاستمرار بعد أن انضوت تماماً تحت إدارة عناصر أمنية.

المادة 31 من النظام الأساسي للدولة تنص على أن:

“حرية الصحافة والطباعـة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ويحظر ما يؤدي إلى الفتـنة أو يمس بـأمن الدولة أو يسيء إلى كـرامـة الإنسان وحقوقه”.[3]

الصحافة الحرة والمستقلة هي حليفنا الأكبر في مكافحة المعلومات الزائفة والمضللة.[4]  (أنطونيو غوتيريش)

 

لكن، ما الأمور التي قد تُفسَّر بأنها تمس أمن الدولة أو تؤدي إلى الفتنة؟


[1]  قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217A (III), الصادر بتاريخ 10 ديسمبر 1948.

[2] https://oman.om/wps/wcm/connect/62146147-96c6-42d7-9cbf-25654237e5e3/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B7%D8%A8%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA+%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B4%D8%B1.pdf?MOD=AJPERES&CACHEID=62146147-96c6-42d7-9cbf-25654237e5e3

[3] النظام الأساسي

https://news.un.org/ar/story/2021/05/1075442[4]
قد يعجبك ايضا