قضايا التعذيب في السجون العمانية (المواطن سلطان أمبوسعيدي)

في الأيام السابقة تابع المركز بقلق قضية المواطن سلطان أمبوسعيدي الذي نشر فيديو على منصة إنستغرام يتحدث فيه عن مدى تعرضه للتعذيب من أفراد يعملون في جهاز الأمن الداخلي. سلطان تحدث عن تعبه من اعتقاله المتكرر والتعذيب الذي ارتكبته السلطات ضده. حسب روايته، فإنه قد تعرض للاعتقال في عام 2017 واحتجز مدة 30 يوما، قال إنه قد أخضع لتعذيب مؤلم قام فريق التعذيب خلاله بنزع أظافره وصعقه بالكهرباء في أماكن مختلفة من جسده بما في ذلك الأماكن الحساسة، ورُشَّ بمسيل للدموع حتى كاد أن يشارف الموت.

وذكر سلطان أن أحد الذين مارسوا التعذيب بحقه اسمه سالم الشرياني برتبة وكيل وأنه قد هدده بالتعذيب حتى يصبح عقيماً وأن الشرياني أمر عددا من الجنود باستخدام وسائل مختلفة في التعذيب. برغم تبرئة المحكمة له حُوِّل إلى المدعي العام عيسى الزكواني الذي بدوره حوّله إلى الطب الشرعي في مسقط لفحصه من آثار التعذيب. وحسب سلطان، فإن نتيجة الفحص أظهرت تعرضه لنزيف في مناطق مختلفة من جسده نتيجة صعقه بالكهرباء. ولكن رُفِض طلبه الحصول على نسخة من هذا التقرير وقيل له إن التقرير أمامك لتقرأه فقط. وأضاف سلطان، أنه بعد حكم المحكمة ببراءته، رفع قضية على الذين قاموا بتعذيبه، وأوصل هذه القضية إلى حسن الشريقي المفتش العام للشرطة والجمارك، وعلى الرغم من قبول الرسالة لم يحدث أي تطورات في الموضوع منذ تسليمها في عام 2017. كما ذكر كذلك أنه في سنة 2018 ذهب إلى أحد قصور السلطان الراحل قابوس، حصن الشموخ، بصحبة والدته وقابل أحد حراس السلطان الراحل الشخصيين، والذي بدوره أكّد أنه سيتم التحقيق في الموضوع وأنه سيُنصَف لكن لم يحدث شيء.

وأوضح سلطان أن سبب خروجه للعلن هو عدم وجود أي استجابة من المسؤولين وخوفه من تعرضه للتعذيب مجددا وذلك لاستمرار استقباله مكالمات من الأجهزة الأمنية تطالبه بالمثول أمامها للتحقيق معه. وكان سبب الاعتقال الذي تعرض له سلطان حسب ما ذكر في حديثه، هو امتلاكه لشركة مواد غذائية وأنه اعتاد أن يأتي بالبضائع من الإمارات العربية المتحدة ليبيعها في الأسواق المحلية، وحسب روايته، فإنه تمكّن من تحقيق النجاح في تجارته والانتشار في أسواق مدن مختلفة. وعودة إلى سبب الاعتقال، ذكر سلطان أنه اعتقل بعد اتهامه بسرقة أحد المخازن، التهمة التي نفاها عن نفسه. وأضاف كذلك، أنه وبعد تحويله للادعاء العام بعد أيام، ومواجهة الادعاء العام له باعترافاته، أخبر المحققين أنه بسبب التعذيب الذي كان يتعرض له اضطر إلى الاعتراف بارتكاب جريمة لم يرتكبها.

وكانت عمان قد وقعت في عام 2020 الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كما أن النظام الأساسي للدولة في المادة 25 يمنع ممارسة أي تعذيب ضد أي مواطن، سواء أتعذيبا نفسيا كان أم معنويا. إلا أن تاريخ عمان في التعذيب النفسي والجسدي ليس بجديد، وكان العديد من معتقلي قضايا الرأي منذ عام 2011 قد وصفوا أنواع التعذيب النفسي الذي تعرضوا له بعد اعتقالهم في زنازين انفرادية.

وقد أصدرت شرطة عمان السلطانية بيانا أعلنت فيه متابعتها لقضية سلطان، ولكنها كذلك أكدت أن القضية التي تناولها سلطان “تمت وفقا للإجراءات القانونية وأخذت مسارها لدى الجهات القضائية”، كما أنها وعدت باستخدام الإجراءات اللازمة لاستجلاء الحقائق. لكن بيان الشرطة السلطانية لم يشر من قريب ولا من بعيد إلى التعذيب الذي تعرض له سلطان، وبدا ضمنيّاً مؤكداً ومبرراً لممارسات التعذيب، حيث إن “الإجراءات القانونية” المذكورة في البيان لم تكن في حقيقة الأمر قانونية ولا يمكن وصفها إلا بالانتهاك والتعدي والترهيب إذ شابها التعذيب الجسدي والنفسي وصادرت حق إنسان في الشعور بالأمان حتى بعد أن حكمت المحكمة ببراءته.

يرى المركز أن هذه الحادثة المفاجئة تثير أسئلة ومخاوف أكبر من السابق في ما يتعلق بالتعذيب في سجون السلطنة العمانية، وأنها من المرجح أن تكون دليلاً على كثرة عدد الذين يتعرضون للتعذيب في السجون. الضحية ليس ناشطاً في حقوق الإنسان وإنما تاجر يبدو من خلال روايته لما عاناه أنه شق طريقه بنفسه.

هذه الحالة بالذات تضع علامة استفهمام كبيرة عما إذا كان هناك عدد كبير من المعتقلين المعرضين للتعذيب في سجون السلطنة، ولا سيما أن نشاط حقوق الإنسان في الداخل مقموع والرصد غير ممكن في أغلب الأحيان نتيجة للسرية التي تمارس من خلالها الأجهزة الأمنية مختلف أنواع التعذيب الجسدي والنفسي خاصة على أولئك الذين يعدمون طرق الوصول إلى المركز أو ناشطي حقوق الإنسان أو أولئك الذي يخافون التبليغ بسبب الملاحقة المستمرة.

لجنة حقوق الإنسان العمانية أوضحت باقتضاب بأنها ستتخذ ما يلزم في قضية السيد سلطان أمبوسعيدي وفق القانون، وهو توضيح لا يرقى إلى مستوى خطورة ما تعرض له الضحية، وبدا غير مستقل عن بيان الشرطة وموقف الحكومة والأجهزة الأمنية. تناسى توضيح لجنة حقوق الإنسان أن فيديو سلطان أمبوسعيدي يعد إدانة مستغيثة توثق انتهاك حقوقه وتعذيبه المتكرر على أيدي فريق في جهاز الأمن الداخلي يمتلك أدوات تعذيب ولديه سلطة مطلقة ليقوم بالاستدعاء والتحقيق في أي وقت شاء دون حاجة حتى إلى مذكرة اعتقال قانونية ودون اعتداد بحكم براءة حكمت به المحكمة.    

يدعو المركز العماني لحقوق الإنسان، السلطات الأمنية في عمان إلى ضرورة احترام خصوصيات الأفراد وعدم تعريضهم لأي نوع من التعذيب سواء أتعذيباً نفسيا كان أم جسديا. كما يدعو المركز إلى ضرورة محاسبة كل من تورّط في قضايا تعذيب، وسن القوانين التي تنظم آلية محاسبة المتورطين في قضايا التعذيب. كما يشير المركز إلى ضرورة إيجاد آلية تمكّن أجهزة محايدة من مراقبة عمل جهاز الأمن الداخلي أو الأنظمة الأخرى المرتبطة به والمحاسبة إذا دعت الحاجة.

قد يعجبك ايضا