(25 فبراير): عشر سنوات على ذكرى الربيع العماني.

في الخامس والعشرين من فبراير الجاري، تحل الذكرى السنوية العاشرة للاحتجاجات الشعبية العارمة التي شهدتها صحار في عام 2011. هذه المظاهرات شهدت سقوط قتلى وجرحى بعد تدخل قوات الأمن والجيش العماني. في هذا التقرير، يستعرض المركز الخط الزمني للمظاهرات في بعض المدن العمانية، وأهم مطالب المتظاهرين.

17 يناير 2011 – المسيرة الخضراء الأولى:

تجمع محتجون لا يتجاوز عددهم المائة في حي الوزارات في الخوير. انحصرت المطالب في توفير الوظائف ومحاربة الغلاء ورفع سقف الأجور المتدنية. المسيرة استمرت أقل من ساعة وانتهت دون أي تدخل أمني، وبالرغم من ذلك لوحظ انتشار عدد غير قليل من العناصر الأمنية المشبوهة التي حاولت إيهام منظمي المسيرة على وجه التحديد بأنها تدخل في عداد المحتجين.

18 فبراير 2011 – المسيرة الخضراء الثانية:

نُظِّمت المسيرة بعد دعوات واضحة في وسائل التواصل الاجتماعي، كما استغل المنظمون المنتديات الإلكترونية المحلية مثل الحارة وسبلة عمان لنشر دعوات للانضمام واستقطاب أعداد أكبر من المحتجين. بدأت المسيرة بعد الساعة الثالثة عصرا في حي الوزارات، وانضم إليها العديد من المثقفين والكتاب وشرائح مختلفة من المواطنين. وبرغم أن بعض المطالب كانت مشابهة للتي رُفعت ونودي بها في المسيرة الأولى، قام منظمو المسيرة الخضراء الثانية بجمع عدد من المطالبات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تضمنت هذه المطالب إلى جانب الإصلاحات الاقتصادية، مطالبات بإصلاحات سياسية واجتماعية وتعليمية…إلخ. كان عدد المشتركين في المظاهرة يتجاوز الـ 500 متظاهر.

سُلمت عريضة المطالب لاحقا إلى المفتش العام للشرطة والجمارك السابق، مالك المعمري، الذي بدوره سلمها إلى السلطان السابق قابوس بن سعيد عن طريق ديوان البلاط السلطاني. لكن تجاوب السلطة مع المطالب كان مخيبا للآمال، ولم يتجاوز إصلاحات اقتصادية طفيفة.

25 فبراير 2011 – مظاهرات صحار:

بدأت المظاهرات في صحار في الأسبوع التالي للمسيرة الخضراء الثانية في دوار الكرة الأرضية الذي أزالته الحكومة لاحقا، وكانت المظاهرات عارمة وشارك فيها آلاف من المواطنين قدرت أعدادهم بـ الآلاف. شهدت مظاهرات صحار أحداثا مؤسفة بعد التدخل الأمني والعسكري العنيف الذي خلف قتلى وجرحى. برغم إنكار الحكومة بلوغ عدد القتلى 6 أشخاص، أكد العديد من الذين شاركوا في المظاهرة هذا العدد بالإضافة إلى عشرات الجرحى. الاسم الوحيد الذي تدوول واعتُبر ضحية التدخل الأمني هو الشهيد عبدالله الغملاسي. مقتل الغملاسي كان في الـ 27 من فبراير 2011. أما استشهاد خليفة العلوي فكان في 1 إبريل 2011.

ما أشعل فتيل الهيجان الشعبي كان دخول مدرعات الجيش العماني التي هاجمت دوار الكرة الأرضية واعتقلت بعض المعتصمين فيه، بعد أن لاذ بعضهم الآخر بالفرار. اليوم الذي تلا ذلك، وهو اليوم الـ27 من فبراير وإثر خروج المحتجين معبرين عن غضبهم ومطالبتهم بإطلاق سراح من اعتقل في الليلة السابقة، أقدمت القوات الأمنية على إطلاق الغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والحيّ كذلك. تطورت الاشتباكات لاحقا وتعمد بعض المتظاهرين الهجوم على مؤسسات حكومية وحرق بعض المركبات فيها. اضطرت الحكومة لاحقا إلى الانصياع وإطلاق سراح من اعتقلوا في الليلة الماضية، ولكن ذلك حدث فقط بعد أن سقط عدد من القتلى والجرحى، من بينهم الشهيد عبدالله الغملاسي.

25 فبراير 2011 – مظاهرات صلالة:

بدأت المظاهرات، التي أصبحت اعتصاما لاحقا، أمام مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار. شابها الطابع السلمي ولم تشهد أي اشتباكات مع القوات الأمنية أو تدخلات منها. لعل مرد هذا في المقام الأول الذاكرة التي يحتفظ بها النظام لثورة ظفار المسلحة التي قضي عليها بتدخل عسكري إيراني وبريطاني ثبَّت حكم قابوس في أوائل سبعينيات القرن المنصرم. كما أن أعداد المتظاهرين في ظفار تنامت بشكل سريع لتتجاوز العشرة آلاف، الأمر الذي أفشل محاصرتها وذلك لأن عدد قوات مكافحة الشغب في ذلك الوقت بالذات كانت غير كافية وكان تدخلها مهدداً بإحداث أثر عكسي تماماً لما سعت إليه الحكومة.   

27 فبراير 2011 – مسقط:

رفضا للاستجابة المخيبة للآمال التي أبدتها الحكومة وقتها تجاه المطالب، ورفضا للتدخل العسكري والأمني في صحار، تجمع عدد من المثقفين والكتاب أمام مجلس الشورى في مسقط، والذي عرف لاحقا باعتصام ساحة الشعب. الاعتصام تطور ليشهد عدداً من الفعاليات التثقيفية، واسترعى انتباه عدد كبير من المواطنين. أهم ما قدمه الاعتصام، هو رفع عريضة “الدستور التعاقدي” إلى السلطان السابق، والتي طالب المحتجون من خلالها بضرورة إيجاد دستور تعاقدي بين الحكومة والشعب.

كافة الاعتصامات والاحتجاجات أُنهيت قسراً بعد التدخل العسكري يومي 12 و13 مايو 2011. هاجمت مدرعات للجيش أماكن الاعتصام في صلالة ومسقط وصور، واعتقلت كل من كان موجوداً ورفض مغادرة الاعتصامات. كان آخر اعتصام فض بالقوة هو اعتصام مجلس الشورى، وكان ذلك يوم الـ من14 مايو 2011. معظم المعتقلين في هذه الفترة أُطلق سراحهم لاحقا دون توجيه أي تهم إليهم، لكن كثيرين من الذين اعتقلوا في نهاية فبراير وشهري مارس وإبريل، من العام نفسه، وُجِّهت إليهم تهم وزج بهم في السجون.

استجابة الحكومة العمانية:

الاستجابة اللحظية أو الآجلة للحكومة العمانية على الاحتجاجات، يمكن تصنيفها إلى نوعين:

الأول: امتصاص الغضب، والذي يمكن رؤيته في عدد من القرارات التي أتت على مراحل، أولها إقالة بعض الوزراء أو تغيير مناصبهم. توفير 50 ألف وظيفة (تبيَّن بعد ذلك أنها مجرد رقم مبالغ فيه لتهدئة الرأي العام الغاضب وتخديره مؤقتاً). منح صلاحيات غير فعالة أو لا تتعدى الدور الاستشاري لمجلس الشورى (الغرفة الأدنى في مجلس عمان)، وكذلك إنشاء هيئة مستقلة لحماية المستهلك. السلطان الراحل قابوس أقال عدداً من الوزراء الذين كان الغضب الشعبي خلال المظاهرات قد بلغ الزبى بسبب فسادهم الاقتصادي والسياسي، ومن بينهم علي بن ماجد، علي بن حمود، مالك المعمري، مقبول علي سلطان، عبد النبي مكي. كما أصدر قابوس قرارا يقضي باستقلال الادعاء العام عن المفتش العام للشرطة والجمارك.

الثاني: منع قيام أي مظاهرات جديدة مناهضة للحكومة، وذلك من خلال القوانين التي استحدثت أو طوّرت في قانون الجزاء العماني، مثل منع أي تجمع لأكثر من عشرة أفراد، منع قيام أحزاب سياسية وتجريمها أو حتى جمعيات ومنظمات مستقلة متصل نشاطها بحقوق الإنسان، وكذلك إصدار قانون بمنع ترشح كل من عليه قضية جنائية لمجلس الشورى، وهو ما فُسر بأنه طريقة لمنع أي من الذين ساهموا في تنظيم المظاهرات، أو شاركوا فيها أو أيدوها، من الترشح للمجلس.

نية الحكومة عدم قيام مظاهرات مجددا، تمثلت في ملاحقة كل من ساهم في تنظيم المظاهرات والدعوة إليها منذ مايو 2011. في يونيو 2012، اعتقلت الحكومة أغلب الناشطين والكتاب، وأصدرت أحكاما بالسجن ضد أغلب المعتقلين تراوحت بين 6 أشهر و18 شهرا. عرفت هذه الاعتقالات لاحقا بقضيتي “الإعابة” و “التجمهر”.

اليوم ما زالت عمان دولة ذات نظام سلطاني ذي سلطة مطلقة. على الرغم من توقع العديد من المواطنين والمراقبين أن يتوجه السلطان الجديد هيثم بن طارق إلى تحويل عمان إلى ملكية دستورية، خاصة بعد انضمام عمان إلى اتفاقيات معنية بحقوق الإنسان مثل العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، إلا أن انتهاكات حقوق الإنسان ما زالت قائمة، وما زال الناشطون يستدعون للتحقيق ويتعرضون للتهديد في حال انتقدوا السلطان أو القرارات السلطانية أو حتى بعض الوزارات وأداءها. وما يفاقم الأمر سوءا أن هناك مراقبين في الداخل والخارج يصفون أداء السلطان الجديد بالهش والضعيف في إدارة شؤون البلاد داخليا، سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني، وذلك بعد أن تكشف أن أجهزة مخابرات دول مجاورة استطاعت مرات عديدة على التوالي أن تخترق عمق البلاد وتتمكن من إصابة مفهوم المواطنة في مقتل وفتت من عضد الدولة، وأثارت الأسئلة المسكوت عنها المتعلقة بدور الأجهزة الأمنية في البلاد ولا سيما جهاز الأمن الداخلي الحريص بشكل دائم على تكميم الأفواه وقمع الناشطين في حين أنه أثبت عجزه عن حماية أمن البلاد فعليّاً وأثار مزيداً من الشكوك في أدائه وطبيعة عمله، وماذا كان عمله طوال السنوات الماضية، إلى درجة أن عددا من الناشطين يتساءلون عما إذا كان جهاز أمن وطنياً حقا في ظل إخفاقه المتكرر في اكتشاف خلايا التجسس أو اضطراره إلى مداراة فشله بفضحها بشكل خجول وخائف باتباع نهج إثارة الغضب الشعبي ضد الدول التي اخترقت إمكانياته ليس عن طريق الإعلان الصريح واتخاذ موقف وطني واضح بل عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن يتخذ أي رد فعل يليق بأن يصدر عن دولة مستقلة وجهاز أمن قوي. وهو ما أفضى بناشطين وكتاب رأي إلى أن يشبهوا الحالة التي تمر بها عمان في الوقت الراهن بمرحلة ما عرف تاريخيا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بـ”مرحلة السلاطين الضعاف”، وذلك في أعقاب تمكن بريطانيا العظمى من القضاء على الإمبراطورية العمانية وتقسيمها وما تلا ذلك من أحداث دموية وانهيار واسع اشتعلت شرارته في قصور السلاطين في شرق أفريقيا وفي عمان وتلاحقت آثاره لتؤرخ لمراحل أخرى مفاجئة. وكأمثلة على بلوغ عُمان اليوم هذه المرحلة يشير البعض إلى الغضب الشعبي المكبوت لكن المتصاعد ضد السلطان الجديد هيثم، حيث إنه هو أيضاً متهم بالفساد، حسبما كتب بعض المحللين الأجانب، وذلك بالشبهات التي تحوم حوله فيما يتعلق بـ”مشروع الموج” والسرقات الهائلة التي تعرض لها في السنوات الماضية. يربط المحللون هذا بعدم لجوء السلطان الجديد إلى إجراء أي تغييرات إدارية جادة وجذرية في هيكل الدولة وأجهزتها الأمنية، أي أنه يستمر في الانحدار بأداء الدولة أكثر من السابق ويسارع في هذا تحت ضغط الظروف الاقتصادية المتفاقمة، دون أن يولي اعتباراً إلى أن الغضب الشعبي المتنامي لن تهدئه وسائل التخدير الأمنية المعتادة إذا لم توجد حلول عملية حقيقية تحول دون استفحال الفساد على أعلى المستويات وتحول دون تحميل المواطن أكثر مما يستطيع. إن الظروف الحالية في عمان تشبه تلك التي كانت عليها قبل انفجار أحداث عام ٢٠١١. ويرى ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي أن أي تصعيد في السياسات الغربية تجاه الدكتاتوريات العربية عامة قد يؤدي إلى عودة ربيع عربي مفاجئ وممتد سيكون انفجاره مدويا ولن يهدأ إلا بعد اقتلاع أسباب الفساد والفاسدين جذرياً وبلا مهادنة هذه المرة مهما كانت الأثمان باهظة.     

كما أن قوانين مثل قانون الجزاء العماني تشكل أكبر تحد لتنفيذ الاتفاقيات، حيث إن هذا القانون الذي يشرع الإعدام في حالات عديدة، يجرم الأنشطة الحقوقية المتمثلة في التجمع السلمي، إنشاء الأحزاب السياسية أو الجمعيات الحقوقية، انتقاد السلطان أو حتى رؤساء الدول، ويحارب العديد من الحريات الفردية والدينية.

عشر سنوات على الربيع العماني، ولكن، مازالت المطالب لم تتحقق والأزمات تتفاقم! كيف باعتقادك يمكن الدفع بالحكومة إلى تغيير المنظومة السياسية؟

قد يعجبك ايضا